نقد أعلام الرواة الشعر العربي حتى أوائل القرن الثالث
إن القرنين الثاني والثالث الهجريين يُعَدَّان ذروة الحركة الحضارية العربية، لأنهما ثمرة القرون الأولى ففي القرن الأول نشطت الأمة في سبيل القرآن والحديث، واحتاجت إلى الشعر ليكون قاموساً يفسر ألفاظ القرآن، فكان العلماء الرواة يشاركون في جمع اللغة وفي علوم القرآن ورواية الحديث أحياناً، وهم يعيشون في عصر الفقهاء الذين استنبطوا الأحكام من النص القرآني أو السنة. يقابلهم الرواة الذين قاموا على جمع النصوص الأدبية، وحاولوا محاولة الفقهاء بغيـر عمق الفقهاء، ولا بمقدار انشغالهم، لأن فقه النص الأدبي لا يحتاج إلى ما يحتاجه النص القرآني، ولأن غلبة الرواية عليهم جعلتهم ينقدون الشعر بتأثير غير مشعور به من أمواج الفقه. وقد اخترت ’نقد أعلام الرواة الشعر العربي حتى أوائل القرن الثالث موضوعاته ولغته‘ لأسباب كثيرة أهمها:
1 ـ أن العلماء الرواة الأعلام أخلصوا الولاء ـ في أغلبهم ـ لهذه الأمة؛ يومَ انصرف المنهزمون نحو الفكر الوافد يقتاتونه، ويخدمونه بـِسُبلٍ متفرقة. ولم يذهب الرواة إلى مجادلة الغزو الفكري الحضاري بل نشبوا في حلقه بخدمة الأمة صيانة لأقوى مقوماتها حين جمعوا اللغة وكشـفوا عن قوانينها، وسبل نموها الطبيعي. وأردت أن ألفت النظر إلى نقد أعلام الرواة الذين حفظـوا لنا آخر حصون العروبة وأقواها (اللغة).
2 ـ يعد البحث في نقد الرواة محاولة لتأصيل النقد العربي من حيث العلمُ به، وتذوقه. وكان ينبغي أن تبدأ المحاولة من نقد الأعراب، لكن قلة ما في أيدينا من أخبار نقدهم جعلتني آخذ بنقد أعلام الرواة الذين بهم يختم النقد المروي ويبدأ النقد المكتوب. وأصالة هذا النقد آيبةٌ إلى أن الرواة من أقل الناس تأثراً بموازين يونان وغيرها من العجم، وأقرب إلى النقد الأعرابي لِطُول المعاشرة، والرحلة إلى البادية. ولا يغير من هذه الحقيقة مشاركة بعض العجم أمثال أبي عبيدة وابن الأعرابي... لأن هؤلاء أرادوا خدمة القرآن، وهو مادة الفكر العربي، ولم يستطيعوا الانخلاع من ربقة الشعوبية، فرماهم الأصمعي وغيره بالنقد، وهَتْكِ غاياتهم.
3 ـ إن في اختيار نقد أعلام الرواة وقفةً أمام الصورة المثلى للنقد العربي بين الرواية والتدوين، لأن في الرواية لقاءً بنقد الجاهلية وصدر الإسلام، وفي هذا يتحقق مبدأ التواصل ويتاح للباحث إدراك حركة النقد وأطوارها، والجديد في نقد الرواة، وإنزاله منزلته في سياق النقد العربي.
4 ـ إن في اختيار نقد أعلام الرواة زاداً يساعد الباحثَ في إدراك النظرية النقدية عند العرب.
5 ـ إن نقد العلماء الرواة يعد موضوعاً بـِكْرَاً، لم يتناوله أبناء زماننا بالاجتهاد المطلوب، ولا أزعم أني قد قمت بأكثر من محاولة تمد جهود السابقين، وقد لا تضر القادمين من بعدنا.
لهذه الأسـباب وغيـرها وقع اختياري على هذا البحـث بعون من أسـتاذيّ د. عبد الحفيظ السـطلي والعلامة النفاخ، ولا أزعـم أني قد جئت بالصورة التى يرجونها، لكني حاولت وما ادخرت سـاعة من حياتي لغير البحث الذي كانت له شعابٌ، ومن دونه صِعَابٌ.
أما صعاب البحث فإنها تعود إلى المراجع والمصادر، ومادته، وزمنه. ففي المصادر لم أجـد كتاباً نقدياً يضـم نقد الرواة لواحد منـهم، ما عدا كتـاب فحولة الشعراء، وليس من تأليف الأصمعي وإنما من رواية تلميذه أبي حاتم السجستاني.
ودفع بي البحث نحو مؤلفاتهم فدرست أسانيدها، وتحققت من مادة متنها إذا حام الشك حولها فوجدت أن كتاب الأضداد المنسوب للأصمعي فيه مواد من أضداد الأصمعي، وأن الأصمعي كان يرد آراء أبي عبيدة في مجاز القرآن وغريب الحديث... ومثل هذا كثير قمت بهذه الدراسات التي لم أثبتها في الرسالة لأدرك طرق تفكير الرواة في تناول اللغة لأن الشعر ـ مادة نقدهم ـ في نهاية المطاف لغة، وفي معرفة تفكيرهم يستطيع الدارس أن يقدر موقف هذا الراوية من هذا النص الأدبي أو غيره في حال غياب جزء أو أجزاء من أخبار نقدهم، وهذا ما صنعته عند النقد بالاختيار، ووجدت النصوص قد أكدت صواب هذا المذهب، والحمد لله.
ومِنْ نَصَب البحـثِ تلكَ الأيَّامُ التي قضيتُـهَا فيه باحثاً عن الرواية وتاريخها وعلومها عند أهل الحديث، والفروق بين مصطلحاتهم، ودراسة الخبر في أسانيده ومتنه، وفنونها وقد كتبت فصلين في هذا الباب، وكنت قد جمعت آراء المعاصرين من عرب ومستشرقين في موضوع الرواية والرواة. فأبى أستاذي المشرف أن نعيد ما كتبه الآخرون، وقال: إن هذه من زاد ناقد الشعر القديم، ومن علوم، لا نثبتها في البحث، وإنما تبقى في الضمير النقدي يزن بها الأخبار إذا اعتاصت.
ومن شعاب البحـث المهلكات أن الروايـة قد قام بها الأعـراب، وعلـماء الأنسـاب، والعلماء الـرواة، وأنّى يكون ليَ القـدرة على إحصاء هؤلاء جميعاً، والإحاطة بهم، وهنا امتدت يد المشرف لتجعل الأمر في موضعه الصحيح، وقال استعن بالجداول... فكانت منقذتي من تيه كبير.
ومن شعاب البحث هذا العدد الكبير من الشعراء الذين نقدهم الرواة. ماذا أصنع بأربعمئة شـاعر أو يزيدون نقدهم الرواة من غير الشـعراء الذين أنشدوا لهم وحسب. لم أثبت في الجدول سوى ثلاثمئة شاعر، لأن مغزى الجدول الدلالة على الكثرة، وبالتالي وجوب الاختيار.
واخترت ما اختاره ابن سلام في طبقاته لأن شروطه أقرب إلى شروط القدماء، ولم أضف سوى طبقة ساقة الشعراء.
أمام أعداد الرواة الأعراب والنسابين والعلماء والشعراء أمضيتُ أربع سنوات متبتلاً في محراب الرواة، وازدادوا نصفَ سنةٍ، ما استطعت أن آتي على كل ما أريد، لأن مثل هذا البحث يعد مشروعاً لدراسة النقد العربي القديم في سياق حضاري، وفي ضوء دراسـة دقيقة لحياة كل راوية أعرابي أو نسـاب أو عالم، ودراسة حياة الشعراء، وحياة القبائل وعلاقاتها وبيان أثر ذلك كله في النقد الأدبي عند الرواة.
ولولا ما تداركني أساتذتي السطلي والنفاخ وأبو زيد بضرورة الكتابة، وأن الجنة تدرك بأقل من ذلك، وأن ما قدمته يعد كافياً لقضيت بقية حياتي في القرون الأولى باحثـاً عن الرواة في جزيرة العرب، واليمن وأفريقية، والبصرة والكوفة، وبلاد ما وراء النهر، أرقب أثـرهم في البادية، وألقي السـمع إلى مجالسـهم في الحاضرة، وأخطف البصر لأرى مواقعهم في مجالس الأمراء والخلفاء، وأسـعى نحو أسواق العرب راجياً الجلوس في مرقبٍ أشهد منه لقاءَ راوٍ بشاعرٍ، وربما طافت روحي على المسـاجدَ تلقي أجنحتها لأصـوات الرواة وهم ينقدون الشـعراء، أو يجادلونهم...إلخ.
إن هذه الصعاب وغيرها جعلتني أشعر بالحياة، وأدرك قيمة الزمن، ومقدار جهلي لقد أضفت رصيداً طيباً مباركاً من حياة أعلام الرواة، وشيئاً ضئيلاً من علمهم إلى خزانة علمي الخاوية، والظمأى إلى معرفة المجهول، ومما يؤلمني أني كلما ارتشـفت شيئاً من علمهم شـعرت بالظمأ أكثـر، وأدركت أن الحياة لا تحلو بغير الكتاب، ولهذا كله بنيت بحثي على الاختيار ومحاولة التحقيق ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
كان البحـث مبنياً على سبعة فصولٍ، ومقدمة، وخاتمـة، وأربعة ملاحق، وفهرسي المصادر والمراجع، والمحتوى.
1 ـ أن العلماء الرواة الأعلام أخلصوا الولاء ـ في أغلبهم ـ لهذه الأمة؛ يومَ انصرف المنهزمون نحو الفكر الوافد يقتاتونه، ويخدمونه بـِسُبلٍ متفرقة. ولم يذهب الرواة إلى مجادلة الغزو الفكري الحضاري بل نشبوا في حلقه بخدمة الأمة صيانة لأقوى مقوماتها حين جمعوا اللغة وكشـفوا عن قوانينها، وسبل نموها الطبيعي. وأردت أن ألفت النظر إلى نقد أعلام الرواة الذين حفظـوا لنا آخر حصون العروبة وأقواها (اللغة).
2 ـ يعد البحث في نقد الرواة محاولة لتأصيل النقد العربي من حيث العلمُ به، وتذوقه. وكان ينبغي أن تبدأ المحاولة من نقد الأعراب، لكن قلة ما في أيدينا من أخبار نقدهم جعلتني آخذ بنقد أعلام الرواة الذين بهم يختم النقد المروي ويبدأ النقد المكتوب. وأصالة هذا النقد آيبةٌ إلى أن الرواة من أقل الناس تأثراً بموازين يونان وغيرها من العجم، وأقرب إلى النقد الأعرابي لِطُول المعاشرة، والرحلة إلى البادية. ولا يغير من هذه الحقيقة مشاركة بعض العجم أمثال أبي عبيدة وابن الأعرابي... لأن هؤلاء أرادوا خدمة القرآن، وهو مادة الفكر العربي، ولم يستطيعوا الانخلاع من ربقة الشعوبية، فرماهم الأصمعي وغيره بالنقد، وهَتْكِ غاياتهم.
3 ـ إن في اختيار نقد أعلام الرواة وقفةً أمام الصورة المثلى للنقد العربي بين الرواية والتدوين، لأن في الرواية لقاءً بنقد الجاهلية وصدر الإسلام، وفي هذا يتحقق مبدأ التواصل ويتاح للباحث إدراك حركة النقد وأطوارها، والجديد في نقد الرواة، وإنزاله منزلته في سياق النقد العربي.
4 ـ إن في اختيار نقد أعلام الرواة زاداً يساعد الباحثَ في إدراك النظرية النقدية عند العرب.
5 ـ إن نقد العلماء الرواة يعد موضوعاً بـِكْرَاً، لم يتناوله أبناء زماننا بالاجتهاد المطلوب، ولا أزعم أني قد قمت بأكثر من محاولة تمد جهود السابقين، وقد لا تضر القادمين من بعدنا.
لهذه الأسـباب وغيـرها وقع اختياري على هذا البحـث بعون من أسـتاذيّ د. عبد الحفيظ السـطلي والعلامة النفاخ، ولا أزعـم أني قد جئت بالصورة التى يرجونها، لكني حاولت وما ادخرت سـاعة من حياتي لغير البحث الذي كانت له شعابٌ، ومن دونه صِعَابٌ.
أما صعاب البحث فإنها تعود إلى المراجع والمصادر، ومادته، وزمنه. ففي المصادر لم أجـد كتاباً نقدياً يضـم نقد الرواة لواحد منـهم، ما عدا كتـاب فحولة الشعراء، وليس من تأليف الأصمعي وإنما من رواية تلميذه أبي حاتم السجستاني.
ودفع بي البحث نحو مؤلفاتهم فدرست أسانيدها، وتحققت من مادة متنها إذا حام الشك حولها فوجدت أن كتاب الأضداد المنسوب للأصمعي فيه مواد من أضداد الأصمعي، وأن الأصمعي كان يرد آراء أبي عبيدة في مجاز القرآن وغريب الحديث... ومثل هذا كثير قمت بهذه الدراسات التي لم أثبتها في الرسالة لأدرك طرق تفكير الرواة في تناول اللغة لأن الشعر ـ مادة نقدهم ـ في نهاية المطاف لغة، وفي معرفة تفكيرهم يستطيع الدارس أن يقدر موقف هذا الراوية من هذا النص الأدبي أو غيره في حال غياب جزء أو أجزاء من أخبار نقدهم، وهذا ما صنعته عند النقد بالاختيار، ووجدت النصوص قد أكدت صواب هذا المذهب، والحمد لله.
ومِنْ نَصَب البحـثِ تلكَ الأيَّامُ التي قضيتُـهَا فيه باحثاً عن الرواية وتاريخها وعلومها عند أهل الحديث، والفروق بين مصطلحاتهم، ودراسة الخبر في أسانيده ومتنه، وفنونها وقد كتبت فصلين في هذا الباب، وكنت قد جمعت آراء المعاصرين من عرب ومستشرقين في موضوع الرواية والرواة. فأبى أستاذي المشرف أن نعيد ما كتبه الآخرون، وقال: إن هذه من زاد ناقد الشعر القديم، ومن علوم، لا نثبتها في البحث، وإنما تبقى في الضمير النقدي يزن بها الأخبار إذا اعتاصت.
ومن شعاب البحـث المهلكات أن الروايـة قد قام بها الأعـراب، وعلـماء الأنسـاب، والعلماء الـرواة، وأنّى يكون ليَ القـدرة على إحصاء هؤلاء جميعاً، والإحاطة بهم، وهنا امتدت يد المشرف لتجعل الأمر في موضعه الصحيح، وقال استعن بالجداول... فكانت منقذتي من تيه كبير.
ومن شعاب البحث هذا العدد الكبير من الشعراء الذين نقدهم الرواة. ماذا أصنع بأربعمئة شـاعر أو يزيدون نقدهم الرواة من غير الشـعراء الذين أنشدوا لهم وحسب. لم أثبت في الجدول سوى ثلاثمئة شاعر، لأن مغزى الجدول الدلالة على الكثرة، وبالتالي وجوب الاختيار.
واخترت ما اختاره ابن سلام في طبقاته لأن شروطه أقرب إلى شروط القدماء، ولم أضف سوى طبقة ساقة الشعراء.
أمام أعداد الرواة الأعراب والنسابين والعلماء والشعراء أمضيتُ أربع سنوات متبتلاً في محراب الرواة، وازدادوا نصفَ سنةٍ، ما استطعت أن آتي على كل ما أريد، لأن مثل هذا البحث يعد مشروعاً لدراسة النقد العربي القديم في سياق حضاري، وفي ضوء دراسـة دقيقة لحياة كل راوية أعرابي أو نسـاب أو عالم، ودراسة حياة الشعراء، وحياة القبائل وعلاقاتها وبيان أثر ذلك كله في النقد الأدبي عند الرواة.
ولولا ما تداركني أساتذتي السطلي والنفاخ وأبو زيد بضرورة الكتابة، وأن الجنة تدرك بأقل من ذلك، وأن ما قدمته يعد كافياً لقضيت بقية حياتي في القرون الأولى باحثـاً عن الرواة في جزيرة العرب، واليمن وأفريقية، والبصرة والكوفة، وبلاد ما وراء النهر، أرقب أثـرهم في البادية، وألقي السـمع إلى مجالسـهم في الحاضرة، وأخطف البصر لأرى مواقعهم في مجالس الأمراء والخلفاء، وأسـعى نحو أسواق العرب راجياً الجلوس في مرقبٍ أشهد منه لقاءَ راوٍ بشاعرٍ، وربما طافت روحي على المسـاجدَ تلقي أجنحتها لأصـوات الرواة وهم ينقدون الشـعراء، أو يجادلونهم...إلخ.
إن هذه الصعاب وغيرها جعلتني أشعر بالحياة، وأدرك قيمة الزمن، ومقدار جهلي لقد أضفت رصيداً طيباً مباركاً من حياة أعلام الرواة، وشيئاً ضئيلاً من علمهم إلى خزانة علمي الخاوية، والظمأى إلى معرفة المجهول، ومما يؤلمني أني كلما ارتشـفت شيئاً من علمهم شـعرت بالظمأ أكثـر، وأدركت أن الحياة لا تحلو بغير الكتاب، ولهذا كله بنيت بحثي على الاختيار ومحاولة التحقيق ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
كان البحـث مبنياً على سبعة فصولٍ، ومقدمة، وخاتمـة، وأربعة ملاحق، وفهرسي المصادر والمراجع، والمحتوى.
المجموعة | مشروع 100 رسالة جامعية سورية |
الناشر | دار النوادر |
عنوان الناشر | دمشق |
سنة النشر (هجري) | 1433 |
سنة النشر (ميلادي) | 2012 |
رقم الطبعة | 1 |
نوع الورق | كريم شاموا |
غراماج الورق | 70 |
مصدر الورق | ياباني |
قياس الورق | 17 × 24 |
عدد المجلدات | 1 |
عدد الصفحات | 692 |
الغلاف | فني |
ردمك | 9789933459765 |
تأليف/تحقيق | تأليف |
تصنيف ديوي |
تحميل
كلمات مفتاحية
روابط مفيدة