ذخر الألمعي من فقه الإمام الشافعي
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُـوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَـا، مَنْ يَهْـدِهِ اللَّهُ فَلا مُضـِلَّ لَـهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
يَقُـولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: ﴿وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولانفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون﴾[التوبةَ: ١٢٢].
وَيَقُولُ رَسُولُهُ الكَرِيمُ صلى الله عليه وسلم: ’مَنْ يُرِد اللَّهُ بِـهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ‘ [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
إِنَّ كُتُبَ عِلْمِ الفِقْهِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي زَمَانِنَا تَمْلأُ المَكْتَبَةَ الإِسْلامِيَّةَ، وَالمُؤَلَّفَاتُ فِيهَا كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَكَذَا كُتُبُ عِلْمِ الحَدِيثِ وَمُصَنَّفَاتُهُ الصِّحَاحُ وَالمَسَانِيدُ وَالسُّنَنُ مَطْبُوعَةٌ مُنْتَشِرَةٌ، وَإِنَّ عِلْمَي الفِقْـهِ وَالحَدِيثِ لا يَنْفَكَّانِ أَحَدُهُمَا عَن الآخَرِ، وَلَمْ يَعْرِف العُلَمَاءُ الأَوَائِلُ مِن السَّلَفِ الصَّالِحِ الفَصْلَ بَيْنَ هَذَيْنِ العِلْمَيْنِ، وَكَانَ كُلٌّ مِن المُحَدِّثِ وَالفَقِيهِ يَحْتَرِمُ اخْتِصَاصَ الآخَرِ وَيَطْلُبُ الفَائِدَةَ مِنْـهُ؛ فَهَذَا الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ لِتِلْمِيذِهِ فِي الفِقْهِ الإِمَامِ أَحْمَـدَ بْنِ حَنْبَلٍ: أَنْتُم أَعْلَمُ بِالحَدِيثِ مِنَّا؛ فَإِذَا صَحَّ الحَدِيثُ فَقُولُوا لَنَا نَذْهَبْ إِلَيهِ. وَكَانَ فِي مَنظُورِ السَّلَفِ أَيضًا أَنَّ أَخْذَ الحَدِيثِ بَعِيدًا عَن الفُقَهَاءِ وَعُلُومِهِم مَحَطُّ إِشْكَالٍ لِطَلَبَـةِ العِلْمِ، فَقَدْ قَالَ الإِمَامُ المُحَـدِّثُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: ’لَوْلا أَنَّ اللَّهَ أَنْقَذَنِي بِمَالِكٍ وَاللَّيْثِ لَضَلَلْتُ. فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَكْثَرْتُ مِن الحَدِيثِ فَحَيَّرَنِي، فَكُنْتُ أَعْرِضُ ذَلِكَ عَلَى مَالِكٍ وَاللَّيْثِ، فَيَقُـولانِ لِي: خُـذْ هَذَا وَدَعْ هَـذَا‘ وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ القَيْرَوَانِيُّ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: ’الحَدِيثُ مَضـِلَّةٌ إلاَّ لِلْفُقَهَاءِ‘ يُرِيدُ أَنَّ غَيْرَهُم قَدْ يَحْمِلُ شَيْئًا عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَـهُ تَأْوِيلٌ مِنْ حَدِيثٍ غَيْرِهِ، أَوْ دَلِيلٍ يَخْفَى عَلَيْهِ، أَوْ مَتْرُوكٍ أَوْجَبَ تَرْكَهُ غَيْرُ شَيْءٍ، مِمَّـا لا يَقُومُ بِـهِ إلاَّ مَن اسْتَبْحَرَ وَتَفَقَّهَ.
وَبـِسَبَبِ طُولِ العَهْدِ وَاتِّصَالِ البُعْدِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلَفِنَا الأَوَائِلِ، حَصَلَ عِنْدَ بَعْضِ المُتَأَخِّرِينَ فَصْلٌ بَيْنَ هَذَيْنِ العِلْمَيْنِ، وَصِرْنَا نَرَى مُؤَلَّفَاتٍ فِي الفِقْهِ تَكْثُرُ فِيهَا الأَحَادِيثُ الضَّعِيفَةُ وَالمَوْضُوعَةُ، مِمَّا دَفَعَ المُحَدِّثِينَ ـ فِيمَا بَعْدُ ـ لِتَأْلِيفِ كُتُبِ التَّخْرِيجِ وَالاسْتِدْرَاكِ عَلَى تِلْكَ المُصَنَّفَـاتِ؛ كَمَا فَعَلَ الحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابـِهِ ’نَصْبُ الرَّايَـةِ‘ وَالحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي كِتَابـِهِ ’التَّلْخِيصُ الحَبـِيرِ‘ وَغَيْرُهُمَا.
وَهَذِهِ الكُتُبُ ـ مَعَ عَدَمِ الْتِزَامِهَا ثُبُوتَ الحَدِيثِ ـ كَانَ يَطْغَى عَلَيْهَا غَالِبًا الفِقْهُ المَذْهَبـِيُّ الضَّيِّقُ، الَّذِي بُنِيَ عَلَى أَقْوَالِ مَذْهَبٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، يَنْحَصِرُ فِيهِ وَيَتَعَصَّبُ لَهُ، وَيَحْرِمُ العَامَّةَ مِن الاسْتِفَادَةِ مِنْ تُرَاثِ بَاقِي الأَئِمَّةِ الفُقَهَاءِ أَئِمَّـةِ المَذَاهِبِ الثَّلاثَـةِ الأُخْرَى فِيمَا قَدْ يَعْسُرُ فِي مَذْهَبـِهِ، وَيَعْتَمِدُ مَا رَجَّحَهُ مُتَأَخِّرُو فُقَهَائِهِ مِنْ دُونِ نَظَرٍ فِي دَلِيلٍ، أَوْ تَحْقِيقٍ فِي حُجَّةٍ.
وَفِي المُقَابـِلِ وَبِحُجَّةِ نُصْرَةِ الحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ وَنَبْذِ العَصَبـِيَّةِ المَذْهَبـِيَّةِ خَرَجَتْ عَلَيْنَـا كُتُبٌ خَلَعَتْ رِبْقَـةَ المَذَاهِـبِ المُحَرَّرَةِ مِنْ أَعْنَاقِهَا كُلِّيًّا، وَاحْتَوَتْ مَا رَآهُ مُؤلِّفُوهَا فِقْهًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مِنْ دُونِ اعْتِبَارٍ لِقَوْلِ الأَئِمَّةِ، أَوْ تَعَرُّضٍ لِتَرْجِيحِ الفُقَهَاءِ، أَوْ تَقَيُّدٍ بِأُصُولِهِم وَقَوَاعِدِهِم، فَنَتَجَ عَنْ ذَلِكَ فِقْهٌ جَدِيدٌ، تَجَاهَلَ المَذَاهِبَ الأَرْبَعَةَ المُحَرَّرَةَ، وَعَادَ لَنَا بِعَشَرَاتِ المَذَاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الوَلِيدَةِ، تَتَضَمَّنُ آرَاءً وَأَحْكَامًا لَمْ يَعْرِفْهَا سَلَفُ الأُمَّةِ مِن العُلَمَاءِ.
وَبَيْنَ هَذَا وَذَاكَ أَضْحَى المُسْلِمُ العَادِيُّ أَوْ طَالِـبُ العِلْمِ المُبْتَـدِئُ مُشَتَّتًا بَيْنَ فِقْهٍ مَذْهَبـِيٍّ ضَيِّقٍ بِلا أَدِلَّةٍ وَلا حُجَجٍ مُحَرَّرَةٍ، وَبَيْنَ فِقْهٍ مَفْتُوحٍ لِعَوَامِلِ الرَّأْي وَالمِزَاجِ.
لِهَذَا كُلِّهِ كَانَت الحَاجَةُ مَاسَّةً إِلَى كِتَابٍ يَخْرُجُ عَمَّا سَبَقَ، وَيَتَلافَى هَذَا الخَلَلَ، فَيَعْتَمِـدُ مَذْهَبًا فِقْهِيًّا مَشْهُورًا، عَمِلَـتْ فِيـهِ مَلَكَاتُ الفُقَهَاءِ وَقَرَائِحُهُم قُرُونًا طَوِيلَةً، وَتَعَاقَبَتْ عَلَيْهِ أَيْدِي المُحَقِّقِينَ وَأَنْظَارُهُم صَقْلاً وَتَهْذِيبًا وَتَحْرِيرًا، وَيُبَيِّنُ الدَّلِيلَ وَالحُجَّةَ الَّتِي ذَهَبَ إِلَيْهَا وَنَصَّ عَلَيْهَا كِبَارُ مُحَقِّقِي المَذْهَبِ مِمَّنْ جَمَعُوا بَيْنَ عُلُومِ الفِقْهِ وَالحَدِيثِ.
وَهَذَا الكِتَابُ هُوَ مُحَاوَلَةٌ جَادَّةٌ بَذَلْتُ فِيـهِ الوُسْعَ، وَأَفْرَغْـتُ فِيـهِ الجَهْدَ، أُقَدِّمُهُ بَيْنَ يَدَي طَلَبَةِ العِلْمِ مَبْنِيًّا عَلَى النَّحْوِ الآتِي:
* مِحْوَرُ الكِتَابِ هُوَ مَتْنُ ’الغَايَةُ وَالتَّقْرِيبُ‘ فِي الفِقْهِ الشَّافِعِيِّ، الَّذِي أَلَّفَهُ الشَّيْخُ أَبُو شُجَاعٍ الأَصْفَهَانِيُّ، المَوْلُودُ سَنَةَ ’434ﻫ‘، وَذَلِكَ لِمَا لِهَذَا المَتْنِ مِنْ شُهْرَةٍ كَبـِيرَةٍ بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ إِيجَازٍ فِي اللَّفْظِ، وَغَزَارَةٍ فِي المَادَّةِ العِلْمِيَّةِ، لَخَّصَ فِيهَا مُهِمَّاتِ المَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَجَاءَ كِتَابُنا هَذَا شَرْحًا مُبَسَّطًا مُوجَزًا لِلْمَتْنِ المَذْكُورِ.
* لُغَةُ الكِتَابِ لُغَةٌ قَرِيبَةٌ سَهْلَةٌ، حَاوَلْتُ فِيهَا أَنْ أَبْتَعِدَ عَنْ تَعْقِيدَاتِ كُتُبِ الفِقْهِ، وَغَوَامِضِ العِبَـارَاتِ الفِقْهِيَّـةِ، وَأَنْ أَبْسُطَ فِيـهِ مُصْطَلَحَاتِ الفُقَهَاءِ بِلُغَةٍ عَصْرِيَّةٍ مَفْهُومَةٍ. وَكَذَلِكَ شَرَحْتُ عَقِبَ كُلِّ حَدِيثٍ مَا فِيهِ مِنْ مُفْرَدَاتٍ غَرِيبَةٍ، أَوْ كَلِمَاتٍ غَيْرِ وَاضـِحَةٍ.
* احْتَوَى الكِتَابُ عَلَى الأَدِلَّةِ مِن القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَصَحِيحِ السُّـنَّةِ النَّبَوِيَّـةِ الشَّرِيفَـةِ، وَالإِجْمَـاعِ، وَالقِيَاسِ الصَّحِيحِ المُعْتَدِّ بِهِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الأُصُولِ.
* تَضَمَّنَ الكِتَابُ ـ عَلَى إِيجَازِهِ ـ كُلَّ مَا أَمْكَنَني اعْتِمَـادُهُ مِنْ أَحَادِيثِ الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَذَلِكَ بِاسْتِقْرَاءٍ شِبْهِ تَامٍّ، فَجَمَعْتُ مِنْهَا غَالِبَ الأَحَادِيثِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلاسْتِدْلالِ، مِنْ غَيْرِ تَطْوِيلٍ أَوْ تَكْرَارٍ، وَقَدْ تَجَاوَزَتْ أَلْـفَ حَدِيثٍ شَرِيفٍ، وَرَتَّبْتُهَا وَأَنْزَلْتُهَا مَوَاضـِعَهَا وَفْقَ مَتْنِ الكِتَابِ.
* جَمِيعُ أَحَادِيثِ الكِتَابِ مَقْبُولَـةٌ مِنْ حَيْثُ الثُّبُـوتُ، لا تَنْزِلُ عَنْ مَرْتَبَةِ الحَسَنِ، وَإِذَا وُجِدَ فِي حَدِيثٍ مِنْهَا جَانِبُ ضَعْفٍ فَإِنَّ هَذَا الضَّعْفَ يَكُونُ مَجْبُورًا بِوُجُودِ رِوَايَاتٍ صَحِيحَةٍ فِي كُتُبِ الحَدِيثِ الأُخْرَى، وَمِثَالُهُ حَدِيثُ: ’إذَا نَعِسَ أَحَدُكُم فِي مَجْلِسِهِ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ‘ فَهُوَ عِنْدَ أَبـِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ بِالعَنْعَنَـةِ وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِالتَّدْلِيسِ، وَفِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ قَدْ صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ.
* مَنْهَجِي فِي الكِتَابِ:
* أَثْبَتُّ مَتْنَ أَبـِي شُجَاعٍ بَيْنَ هِلالَيْنِ، وَضَبَطتُهُ بِالشَّكْلِ التَّامِّ، وكذا بَاقِي الكِتَـابِ، لِمَا رَأَيْتُـهُ مِنْ عُجْمَـةٍ انتَشَرَتْ بَيْنَ العَامَّةِ وَكَثِيرٍ مِنْ طَلَبَةِ العِلْمِ. وَوَضَعْتُ عَلامَاتِ التَّرْقِيمِ المُنَاسِبةِ.
* وَجَدتُ فِي مَوَاضـِعَ عِدَّةٍ مِن المَتْنِ خَلَلاً فِي ضَبْطِ المَعْدُودِ حَالَ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ، وَقَدْ رَجَعْتُ إِلَى عِدَّةِ نُسَخٍ لِلْمَتْنِ قَدِيمَةٍ، شَرَحَ عَلَيْهَا الشِّرْبـِينِيُّ وَالحِصْنِيُّ أَوْ عَلَّقَ عَلَيْهَا البُجَيْرِمِيُّ وَالبَاجُورِيُّ، وَوَجَدْتُ فِي جَمِيعِهَا هَـذَا الخَلَلَ وَفِي مَوَاضـِعَ دُونَ أُخْرَى، وَقَـدْ ضَبَطْتُهَا كُلُّهَا وَفْقًا لِقَوَاعِدِ العَرَبـِيَّةِ، وَمِثَالُهَا قَوْلُهُ:
المِيَاهُ الَّتِي يَجُوزُ بِهَا التَّطْهِيرُ سَبْعُ مِيَاهٍ.
وَالمَسْحُ عَلَى الخُفَّيْنِ جَائِزٌ بِثَلاثَةِ شَرَائِطَ.
وَهَيْئَاتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ خَصْلَةً.
وَيَفْتَقِرُ الوَلِيُّ وَالشَّاهِدَانِ إِلَى سِتَّةِ شَرَائِطَ.
ثُمَّ لِصِحَّةِ المُسْلَمِ فِيهِ ثَمَانِيَةُ شَرَائِطَ.
وَلا يَجُوزُ أَنْ يَبـِيعَ وَيَشْتَرِيَ إلاَّ بِثَلاثَةِ شَرَائِطَ.
وَلِلْقِرَاضِ أَرْبَعَةُ شَرَائِطَ.
وَالوَقْفُ جَائِزٌ بِثَلاثَةِ شَرَائِطَ.
* حَذَفْتُ مَا خَالَفَ فِيهِ صَاحِبُ المَتْنِ المُعْتَمَدَ عِنْدَ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ وَمُحَرِّرِي المَذْهَبِ، وَأَشَرْتُ إِلَى مَوَاطِنِ الحَذْفِ فِي الحَاشِيَةِ، وَمِثَالُهَا:
ـ مَسْأَلَـةُ وَقْـتِ المَغْرِبِ، وَأَنَّـهُ لا يَمْتَدُّ إلاَّ لِصَلاةِ خَمْسِ رَكَعَاتٍ وَوُضُوءٍ...
ـ مَسْأَلَةُ تَعْدَادِ أَرْكَانِ الحَجِّ وَوَاجِبَاتِهِ وَسُنَنِهِ، وَتَعْدَادِ أَرْكَانِ الصَّلاةِ وَجَعْلِهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رُكْنًا، حَيْثُ زَادَ فِيهَا: نِيَّةَ الخُرُوجِ مِن الصَّلاةِ...
* حَذَفْتُ مِن المَتْنِ المَسَائِلَ الَّتِي خَالَفَت الحَقَائِقَ العِلْمِيَّةَ، وَلا أَقُولُ النَّظَرِيَّاتِ العِلْمِيَّةَ؛ بَل الحَقَائِقَ العِلْمِيَّةَ، وَمِثَالُهَا:
ـ مَسْأَلَةُ أَكْثَرِ الحَمْلِ، وَأَنَّهُ يَمْتَدُّ لأَرْبَعِ سَنَوَاتٍ.
ـ مَسْأَلَةُ الحَيْضِ، وَأَنَّهُ يَطْرَأُ عَلَى الحَامِلِ فِي أَثْنَاءِ حَمْلِهَا.
* اسْتَفَدتُ مِنْ خِبْرَةِ جَمْعٍ مِنْ خِيـرَةِ الأَطِبَّاءِ المُخْتَصِّينَ بأَمْرَاضِ النِّسَاءِ وَالتَّوْلِيدِ بُغْيةَ الوُصُولِ إِلَى رُؤْيَةٍ عِلْمِيَّةٍ فِي المَسَائِلِ الاجْتِهَادِيَّةِ الَّتِي تَخُصُّ النِّسَاءَ؛ كَمَسْأَلَةِ خِتَانِ النِّسَاءِ، وَأَكْثَـرِ مُدَّةِ الحَيْضِ وَأَقَلِّهِ، وَأَكْثَرِ مُدَّةِ النِّفَاسِ وَأَقَلِّهِ...
* حَذَفْتُ مِن المَتْنِ المَسَائِلَ الَّتِي لَمْ تَعُـدْ تُعْرَفُ فِي المُجْتَمَعَاتِ الإِسْلامِيَّةِ اليَوْمَ، وَمِنْهَا المُخْتَصَّةُ بِأَحْكَامِ الرَّقِيقِ وَالإِمَاءِ طَلَبًا لِلاخْتِصَارِ وَتَخْفِيفًا عَلَى العَامَّةِ.
* حَذَفْتُ مِن المَتْنِ بَعْضَ المَسَائِلِ الَّتِي اعْتَمَـدَ فِيهَا صَاحِبُ المَتْنِ عَلَى أَحَادِيثَ اشْتَدَّ ضَعْفُهَا، وَخَالَفَهُ فِيهَا مُحَرِّرُو المَذْهَبِ الجَامِعُونَ بَيْنَ الفِقْهِ وَالحَدِيثِ، مِنْهَا:
ـ الحُكْمُ بِتَحْرِيمِ اسْتِقْبَالِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ فِي أَثْنَاءِ قَضَاءِ الحَاجَةِ.
ـ كَرَاهَةُ اسْتِعْمَالِ المَاءِ المُشَمَّسِ.
ـ الغُسْلُ مِن الوِلادَةِ الَّتِي تَحْدُثُ مِنْ غَيْرِ خُرُوجِ دَمِ النِّفَاسِ.
ـ حُرْمَةُ نَظَرِ الزَّوْجِ إِلَى عَوْرَةِ امْرَأَتِهِ المُغَلَّظَةِ.
* لَمْ أَذْكُرْ أَيَّ اخْتِلافٍ فِي المَذْهَبِ كَتَعَدُّدِ الأَقْوَالِ، وَالأَوْجُهِ فِي المَسْأَلَةِ الوَاحِدَةِ، وَاكْتَفَيْتُ بِذِكْرِ الرَّاجِحِ المُعْتَمَدِ فَقَطْ، طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ عَلَى القَارِئ وَمَخَافَةَ أَنْ يَخْتَلِطَ عَلَيْهِ الرَّاجِحُ بِغَيْرِهِ.
* أَفْرَدْتُ كُلَّ حُكْمٍ فِقْهِيٍّ، وَجَعَلْتُهُ مُنْفَصِلاً عَمَّا قَبْلَهُ مِن المَسَائِلِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ سُهُولَةِ عَرْضِ الحُكْمِ، وَأَمْنِ الإشْكَالِ إِنْ رُبـِطَت المَسْأَلَةُ بِغَيْرِهَا.
* قَرَنْـتُ كُلَّ حُكْمٍ فِقْهِيٍّ بِدَلِيلِهِ مِن القُرْآنِ وَالسُّـنَّةِ الثَّابـِتَةِ، وَهَذَا مِمَّا يُفِيدُ القَارِئَ ثِـقَـةً بِعِلْمِ الفِقْـهِ وَبـِالحُكْمِ المُتَوَصَّلِ إِلَيْـهِ.
* أَشَرْتُ إِلَى مَوْضـِعِ الاسْتِدْلالِ مِن القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَجَعَلْتُهُ بِلَوْنٍ مُخْتَلِفٍ زِيَادَةً فِي البَيَانِ وَالتَّوْضـِيحِ، وَاخْتِصَارًا لِلْعِبَارَةِ وَالشَّرْحِ.
* أَضَفْتُ إِلَى الكِتَابِ فُصُولاً وَمَسَائِلَ يُحْتَاجُ إِلَيْهَا لَمْ تَرِدْ فِي المَتْنِ.
* أَضَفْتُ أَقْوَالاً فِقْهِيَّةً لِغَيْرِ الشَّافِعِيَّةِ فِي بَعْضِ المَسَائِلِ، لِرُجْحَانِ دَلِيلِهَا، أَوْ تَيْسِيرًا لِمَا قَـدْ يَعْسُرُ عَلَى النَّاسِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ، وَفَصَلْتُهَا عَنْ أَصْلِ الكِتَـابِ وَجَعَلْتُهَا فِي الحَاشِيَةِ لِكَي يَبْقَى أَصْلُ الكِتَابِ ضـِمْنَ المَذْهَبِ.
* تَوَخَّيْتُ أَنْ يَخْلُوَ الكِتَابُ مِنْ أَيِّ حَدِيـثٍ ضَعِيفٍ، وَأَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا فِيهِ إمَّا حَدِيثًا صَحِيحًا وَإِمَّا حَسَنًا، وَفْقَ القَوَاعِدِ المُعْتَمَدَةِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الحَدِيثِ.
* اعْتَمَدْتُ أَسَاسًا عَلَى أَحَادِيثِ الصَّحِيحَيْنِ الَّتِي أَجْمَعَت الأُمَّةُ عَلَى صِحَّةِ مَا فِيهِمَا وَتَلَقَّتْهُمَا بِالقَبُـولِ، وَانْتَقَيْتُ الرِّوَايَاتِ المُعْتَمَدَةَ عِنْدَهُمَا لِلأَحَادِيثِ، وَاسْتَثْنَيتُ الأَحَادِيـثَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي قَدْ يُشْكِلُ عَلَى العَامَّةِ بَعْضُ أَلْفَاظِهَـا.
* خَرَّجْتُ الأَحَادِيـثَ، وَعَزَوْتُهَا إِلَى مَصَادِرِهَـا، فَإِنْ كَـانَ أَصْلُ الحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَـا اكْتَفَيْـتُ بِالعَـزْوِ إِلَيْهِمَا لِمَكَانَتِهِمَا وَتَقْدِيمِهمَا عَلَى بَاقِي كُتُبِ السُّـنَّةِ، وَإِنْ كَانَ الحَدِيثُ فِي السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ أَوْ بَعْضـِهَا اكْتَفَيْتُ بِهَا عَنْ غَيْرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ السِّـتَّةِ ذَكَرْتُ أَشْهَرَ مَرْجِعٍ وُجِدَ فِيهِ.
* لَمْ أَتَقَيَّدْ فِي التَّخْرِيجِ بِأَنْ يَكُونَ لَفْظُ الحَدِيثِ وَاحِدًا عِنْـدَ الجَمِيعِ؛ بَل اكْتَفَيْتُ بِأَنْ يَكُونَ الحَدِيـثُ وَاحِـدًا مِنْ حَيْثُ المَضْمُونُ، وَمَخْرَجُـهُ وَاحِدًا مِنْ حَيْثُ رَاوِيهِ، فَرُبَّمَا عَزَوتُ الحَدِيثَ لأَصْحَابِ السُّنَنِ وَهُوَ عِنْدَ بَعْضـِهِم مُغَايـِرٌ بِاللَّفْظِ، أَوْ مُخْتَصَرٌ.
* وَأَخِيرًا:
فَهَذَا العَمَلُ هُوَ ثَمَرَةُ طَلَبٍ وَتَحْصِيلٍ، وَبَحْثٍ وَدِرَايَةٍ، فَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَليَّ أَنْ قَرَأْتُ أَبْوَابَ العِبَادَاتِ مِنْ شَرْحِ هَذَا المَتْنِ لِلشَّيْخِ الحِصْنِيِّ ’كِفَايَةُ الأَخْيَارِ‘ مُنْذُ الصِّغَرِ عَلَى وَالِدي ـ حَفِظَهُ اللَّهُ ـ ثُمَّ تَقَرَّرَ عَلَيَّ شَرْحُ الشَّيْخِ الشِّرْبـِينِيِّ ’الإِقْنَاعُ‘ فِي المَرْحَلَةِ الثَّانَوِيَّةِ، وَبَعْدَ أَنْ أَتْمَمْتُ المَرْحَلَةَ الجَامِعِيَّةَ دَرَّسْتُ الكِتَابَ غَيْـرَ مَرَّةٍ، فَخَبـِرْتُ مَوَاضـِعَهُ وَمَسَائِلَهُ، وَمَازِلْتُ أَرْجِعُ إِلَيْهِ، وَأُعَلِّقُ عَلَيْهِ المَسَائِلَ المُهِمَّةَ، وَالتَّخْرِيجَاتِ وَالفَوَائِدَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.
وَهَذَا الكِتَابُ وَإِنْ تَمَيَّزَ بِكَثْرَةِ أَحَادِيثِـهِ، إلاَّ أَنَّ مَزِيَّتَـهُ الكُبْرَى هِيَ تَحَاشِيهِ مِئَاتِ الأَحَادِيثِ الوَارِدَةِ فِي كُتُبِ أَحَادِيثِ الأَحْكَامِ وَالَّتِي لا تَصْلُحُ لِلاحْتِجَاجِ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ، حَتَّى تَحَصَّلَ بَيْنَ أَيْدِينَا كِتَـابٌ ـ فِيمَا أَظُنُّ وَاللَّهُ المُوَفِّقُ ـ لَيْـسَ فِيـهِ حَدِيـثٌ وَاحِـدٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غَيْرُ صَالِحٍ لِلاعْتِبَارِ.
فَأَرْجُو مِن اللَّهِ تَعَالَى أَنْ أَكُونَ قَدْ وُفِّقْتُ فِي هَذَا العَمَلِ لِلصَّوَابِ، وَأَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنِّي بِعَفْـوِهِ وَكَرَمِـهِ، وَيَرْضَى بِـهِ عَنِّي، وَيَتَجَـاوَزَ عَنْ زَلَّتِي، إِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ مَسْؤُولٍ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَلَّمَ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين.
أَمَّا بَعْدُ:
يَقُـولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: ﴿وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولانفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون﴾[التوبةَ: ١٢٢].
وَيَقُولُ رَسُولُهُ الكَرِيمُ صلى الله عليه وسلم: ’مَنْ يُرِد اللَّهُ بِـهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ‘ [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
إِنَّ كُتُبَ عِلْمِ الفِقْهِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي زَمَانِنَا تَمْلأُ المَكْتَبَةَ الإِسْلامِيَّةَ، وَالمُؤَلَّفَاتُ فِيهَا كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَكَذَا كُتُبُ عِلْمِ الحَدِيثِ وَمُصَنَّفَاتُهُ الصِّحَاحُ وَالمَسَانِيدُ وَالسُّنَنُ مَطْبُوعَةٌ مُنْتَشِرَةٌ، وَإِنَّ عِلْمَي الفِقْـهِ وَالحَدِيثِ لا يَنْفَكَّانِ أَحَدُهُمَا عَن الآخَرِ، وَلَمْ يَعْرِف العُلَمَاءُ الأَوَائِلُ مِن السَّلَفِ الصَّالِحِ الفَصْلَ بَيْنَ هَذَيْنِ العِلْمَيْنِ، وَكَانَ كُلٌّ مِن المُحَدِّثِ وَالفَقِيهِ يَحْتَرِمُ اخْتِصَاصَ الآخَرِ وَيَطْلُبُ الفَائِدَةَ مِنْـهُ؛ فَهَذَا الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ لِتِلْمِيذِهِ فِي الفِقْهِ الإِمَامِ أَحْمَـدَ بْنِ حَنْبَلٍ: أَنْتُم أَعْلَمُ بِالحَدِيثِ مِنَّا؛ فَإِذَا صَحَّ الحَدِيثُ فَقُولُوا لَنَا نَذْهَبْ إِلَيهِ. وَكَانَ فِي مَنظُورِ السَّلَفِ أَيضًا أَنَّ أَخْذَ الحَدِيثِ بَعِيدًا عَن الفُقَهَاءِ وَعُلُومِهِم مَحَطُّ إِشْكَالٍ لِطَلَبَـةِ العِلْمِ، فَقَدْ قَالَ الإِمَامُ المُحَـدِّثُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: ’لَوْلا أَنَّ اللَّهَ أَنْقَذَنِي بِمَالِكٍ وَاللَّيْثِ لَضَلَلْتُ. فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَكْثَرْتُ مِن الحَدِيثِ فَحَيَّرَنِي، فَكُنْتُ أَعْرِضُ ذَلِكَ عَلَى مَالِكٍ وَاللَّيْثِ، فَيَقُـولانِ لِي: خُـذْ هَذَا وَدَعْ هَـذَا‘ وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ القَيْرَوَانِيُّ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: ’الحَدِيثُ مَضـِلَّةٌ إلاَّ لِلْفُقَهَاءِ‘ يُرِيدُ أَنَّ غَيْرَهُم قَدْ يَحْمِلُ شَيْئًا عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَـهُ تَأْوِيلٌ مِنْ حَدِيثٍ غَيْرِهِ، أَوْ دَلِيلٍ يَخْفَى عَلَيْهِ، أَوْ مَتْرُوكٍ أَوْجَبَ تَرْكَهُ غَيْرُ شَيْءٍ، مِمَّـا لا يَقُومُ بِـهِ إلاَّ مَن اسْتَبْحَرَ وَتَفَقَّهَ.
وَبـِسَبَبِ طُولِ العَهْدِ وَاتِّصَالِ البُعْدِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلَفِنَا الأَوَائِلِ، حَصَلَ عِنْدَ بَعْضِ المُتَأَخِّرِينَ فَصْلٌ بَيْنَ هَذَيْنِ العِلْمَيْنِ، وَصِرْنَا نَرَى مُؤَلَّفَاتٍ فِي الفِقْهِ تَكْثُرُ فِيهَا الأَحَادِيثُ الضَّعِيفَةُ وَالمَوْضُوعَةُ، مِمَّا دَفَعَ المُحَدِّثِينَ ـ فِيمَا بَعْدُ ـ لِتَأْلِيفِ كُتُبِ التَّخْرِيجِ وَالاسْتِدْرَاكِ عَلَى تِلْكَ المُصَنَّفَـاتِ؛ كَمَا فَعَلَ الحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابـِهِ ’نَصْبُ الرَّايَـةِ‘ وَالحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي كِتَابـِهِ ’التَّلْخِيصُ الحَبـِيرِ‘ وَغَيْرُهُمَا.
وَهَذِهِ الكُتُبُ ـ مَعَ عَدَمِ الْتِزَامِهَا ثُبُوتَ الحَدِيثِ ـ كَانَ يَطْغَى عَلَيْهَا غَالِبًا الفِقْهُ المَذْهَبـِيُّ الضَّيِّقُ، الَّذِي بُنِيَ عَلَى أَقْوَالِ مَذْهَبٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، يَنْحَصِرُ فِيهِ وَيَتَعَصَّبُ لَهُ، وَيَحْرِمُ العَامَّةَ مِن الاسْتِفَادَةِ مِنْ تُرَاثِ بَاقِي الأَئِمَّةِ الفُقَهَاءِ أَئِمَّـةِ المَذَاهِبِ الثَّلاثَـةِ الأُخْرَى فِيمَا قَدْ يَعْسُرُ فِي مَذْهَبـِهِ، وَيَعْتَمِدُ مَا رَجَّحَهُ مُتَأَخِّرُو فُقَهَائِهِ مِنْ دُونِ نَظَرٍ فِي دَلِيلٍ، أَوْ تَحْقِيقٍ فِي حُجَّةٍ.
وَفِي المُقَابـِلِ وَبِحُجَّةِ نُصْرَةِ الحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ وَنَبْذِ العَصَبـِيَّةِ المَذْهَبـِيَّةِ خَرَجَتْ عَلَيْنَـا كُتُبٌ خَلَعَتْ رِبْقَـةَ المَذَاهِـبِ المُحَرَّرَةِ مِنْ أَعْنَاقِهَا كُلِّيًّا، وَاحْتَوَتْ مَا رَآهُ مُؤلِّفُوهَا فِقْهًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مِنْ دُونِ اعْتِبَارٍ لِقَوْلِ الأَئِمَّةِ، أَوْ تَعَرُّضٍ لِتَرْجِيحِ الفُقَهَاءِ، أَوْ تَقَيُّدٍ بِأُصُولِهِم وَقَوَاعِدِهِم، فَنَتَجَ عَنْ ذَلِكَ فِقْهٌ جَدِيدٌ، تَجَاهَلَ المَذَاهِبَ الأَرْبَعَةَ المُحَرَّرَةَ، وَعَادَ لَنَا بِعَشَرَاتِ المَذَاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الوَلِيدَةِ، تَتَضَمَّنُ آرَاءً وَأَحْكَامًا لَمْ يَعْرِفْهَا سَلَفُ الأُمَّةِ مِن العُلَمَاءِ.
وَبَيْنَ هَذَا وَذَاكَ أَضْحَى المُسْلِمُ العَادِيُّ أَوْ طَالِـبُ العِلْمِ المُبْتَـدِئُ مُشَتَّتًا بَيْنَ فِقْهٍ مَذْهَبـِيٍّ ضَيِّقٍ بِلا أَدِلَّةٍ وَلا حُجَجٍ مُحَرَّرَةٍ، وَبَيْنَ فِقْهٍ مَفْتُوحٍ لِعَوَامِلِ الرَّأْي وَالمِزَاجِ.
لِهَذَا كُلِّهِ كَانَت الحَاجَةُ مَاسَّةً إِلَى كِتَابٍ يَخْرُجُ عَمَّا سَبَقَ، وَيَتَلافَى هَذَا الخَلَلَ، فَيَعْتَمِـدُ مَذْهَبًا فِقْهِيًّا مَشْهُورًا، عَمِلَـتْ فِيـهِ مَلَكَاتُ الفُقَهَاءِ وَقَرَائِحُهُم قُرُونًا طَوِيلَةً، وَتَعَاقَبَتْ عَلَيْهِ أَيْدِي المُحَقِّقِينَ وَأَنْظَارُهُم صَقْلاً وَتَهْذِيبًا وَتَحْرِيرًا، وَيُبَيِّنُ الدَّلِيلَ وَالحُجَّةَ الَّتِي ذَهَبَ إِلَيْهَا وَنَصَّ عَلَيْهَا كِبَارُ مُحَقِّقِي المَذْهَبِ مِمَّنْ جَمَعُوا بَيْنَ عُلُومِ الفِقْهِ وَالحَدِيثِ.
وَهَذَا الكِتَابُ هُوَ مُحَاوَلَةٌ جَادَّةٌ بَذَلْتُ فِيـهِ الوُسْعَ، وَأَفْرَغْـتُ فِيـهِ الجَهْدَ، أُقَدِّمُهُ بَيْنَ يَدَي طَلَبَةِ العِلْمِ مَبْنِيًّا عَلَى النَّحْوِ الآتِي:
* مِحْوَرُ الكِتَابِ هُوَ مَتْنُ ’الغَايَةُ وَالتَّقْرِيبُ‘ فِي الفِقْهِ الشَّافِعِيِّ، الَّذِي أَلَّفَهُ الشَّيْخُ أَبُو شُجَاعٍ الأَصْفَهَانِيُّ، المَوْلُودُ سَنَةَ ’434ﻫ‘، وَذَلِكَ لِمَا لِهَذَا المَتْنِ مِنْ شُهْرَةٍ كَبـِيرَةٍ بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ إِيجَازٍ فِي اللَّفْظِ، وَغَزَارَةٍ فِي المَادَّةِ العِلْمِيَّةِ، لَخَّصَ فِيهَا مُهِمَّاتِ المَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَجَاءَ كِتَابُنا هَذَا شَرْحًا مُبَسَّطًا مُوجَزًا لِلْمَتْنِ المَذْكُورِ.
* لُغَةُ الكِتَابِ لُغَةٌ قَرِيبَةٌ سَهْلَةٌ، حَاوَلْتُ فِيهَا أَنْ أَبْتَعِدَ عَنْ تَعْقِيدَاتِ كُتُبِ الفِقْهِ، وَغَوَامِضِ العِبَـارَاتِ الفِقْهِيَّـةِ، وَأَنْ أَبْسُطَ فِيـهِ مُصْطَلَحَاتِ الفُقَهَاءِ بِلُغَةٍ عَصْرِيَّةٍ مَفْهُومَةٍ. وَكَذَلِكَ شَرَحْتُ عَقِبَ كُلِّ حَدِيثٍ مَا فِيهِ مِنْ مُفْرَدَاتٍ غَرِيبَةٍ، أَوْ كَلِمَاتٍ غَيْرِ وَاضـِحَةٍ.
* احْتَوَى الكِتَابُ عَلَى الأَدِلَّةِ مِن القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَصَحِيحِ السُّـنَّةِ النَّبَوِيَّـةِ الشَّرِيفَـةِ، وَالإِجْمَـاعِ، وَالقِيَاسِ الصَّحِيحِ المُعْتَدِّ بِهِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الأُصُولِ.
* تَضَمَّنَ الكِتَابُ ـ عَلَى إِيجَازِهِ ـ كُلَّ مَا أَمْكَنَني اعْتِمَـادُهُ مِنْ أَحَادِيثِ الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَذَلِكَ بِاسْتِقْرَاءٍ شِبْهِ تَامٍّ، فَجَمَعْتُ مِنْهَا غَالِبَ الأَحَادِيثِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلاسْتِدْلالِ، مِنْ غَيْرِ تَطْوِيلٍ أَوْ تَكْرَارٍ، وَقَدْ تَجَاوَزَتْ أَلْـفَ حَدِيثٍ شَرِيفٍ، وَرَتَّبْتُهَا وَأَنْزَلْتُهَا مَوَاضـِعَهَا وَفْقَ مَتْنِ الكِتَابِ.
* جَمِيعُ أَحَادِيثِ الكِتَابِ مَقْبُولَـةٌ مِنْ حَيْثُ الثُّبُـوتُ، لا تَنْزِلُ عَنْ مَرْتَبَةِ الحَسَنِ، وَإِذَا وُجِدَ فِي حَدِيثٍ مِنْهَا جَانِبُ ضَعْفٍ فَإِنَّ هَذَا الضَّعْفَ يَكُونُ مَجْبُورًا بِوُجُودِ رِوَايَاتٍ صَحِيحَةٍ فِي كُتُبِ الحَدِيثِ الأُخْرَى، وَمِثَالُهُ حَدِيثُ: ’إذَا نَعِسَ أَحَدُكُم فِي مَجْلِسِهِ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ‘ فَهُوَ عِنْدَ أَبـِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ بِالعَنْعَنَـةِ وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِالتَّدْلِيسِ، وَفِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ قَدْ صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ.
* مَنْهَجِي فِي الكِتَابِ:
* أَثْبَتُّ مَتْنَ أَبـِي شُجَاعٍ بَيْنَ هِلالَيْنِ، وَضَبَطتُهُ بِالشَّكْلِ التَّامِّ، وكذا بَاقِي الكِتَـابِ، لِمَا رَأَيْتُـهُ مِنْ عُجْمَـةٍ انتَشَرَتْ بَيْنَ العَامَّةِ وَكَثِيرٍ مِنْ طَلَبَةِ العِلْمِ. وَوَضَعْتُ عَلامَاتِ التَّرْقِيمِ المُنَاسِبةِ.
* وَجَدتُ فِي مَوَاضـِعَ عِدَّةٍ مِن المَتْنِ خَلَلاً فِي ضَبْطِ المَعْدُودِ حَالَ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ، وَقَدْ رَجَعْتُ إِلَى عِدَّةِ نُسَخٍ لِلْمَتْنِ قَدِيمَةٍ، شَرَحَ عَلَيْهَا الشِّرْبـِينِيُّ وَالحِصْنِيُّ أَوْ عَلَّقَ عَلَيْهَا البُجَيْرِمِيُّ وَالبَاجُورِيُّ، وَوَجَدْتُ فِي جَمِيعِهَا هَـذَا الخَلَلَ وَفِي مَوَاضـِعَ دُونَ أُخْرَى، وَقَـدْ ضَبَطْتُهَا كُلُّهَا وَفْقًا لِقَوَاعِدِ العَرَبـِيَّةِ، وَمِثَالُهَا قَوْلُهُ:
المِيَاهُ الَّتِي يَجُوزُ بِهَا التَّطْهِيرُ سَبْعُ مِيَاهٍ.
وَالمَسْحُ عَلَى الخُفَّيْنِ جَائِزٌ بِثَلاثَةِ شَرَائِطَ.
وَهَيْئَاتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ خَصْلَةً.
وَيَفْتَقِرُ الوَلِيُّ وَالشَّاهِدَانِ إِلَى سِتَّةِ شَرَائِطَ.
ثُمَّ لِصِحَّةِ المُسْلَمِ فِيهِ ثَمَانِيَةُ شَرَائِطَ.
وَلا يَجُوزُ أَنْ يَبـِيعَ وَيَشْتَرِيَ إلاَّ بِثَلاثَةِ شَرَائِطَ.
وَلِلْقِرَاضِ أَرْبَعَةُ شَرَائِطَ.
وَالوَقْفُ جَائِزٌ بِثَلاثَةِ شَرَائِطَ.
* حَذَفْتُ مَا خَالَفَ فِيهِ صَاحِبُ المَتْنِ المُعْتَمَدَ عِنْدَ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ وَمُحَرِّرِي المَذْهَبِ، وَأَشَرْتُ إِلَى مَوَاطِنِ الحَذْفِ فِي الحَاشِيَةِ، وَمِثَالُهَا:
ـ مَسْأَلَـةُ وَقْـتِ المَغْرِبِ، وَأَنَّـهُ لا يَمْتَدُّ إلاَّ لِصَلاةِ خَمْسِ رَكَعَاتٍ وَوُضُوءٍ...
ـ مَسْأَلَةُ تَعْدَادِ أَرْكَانِ الحَجِّ وَوَاجِبَاتِهِ وَسُنَنِهِ، وَتَعْدَادِ أَرْكَانِ الصَّلاةِ وَجَعْلِهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رُكْنًا، حَيْثُ زَادَ فِيهَا: نِيَّةَ الخُرُوجِ مِن الصَّلاةِ...
* حَذَفْتُ مِن المَتْنِ المَسَائِلَ الَّتِي خَالَفَت الحَقَائِقَ العِلْمِيَّةَ، وَلا أَقُولُ النَّظَرِيَّاتِ العِلْمِيَّةَ؛ بَل الحَقَائِقَ العِلْمِيَّةَ، وَمِثَالُهَا:
ـ مَسْأَلَةُ أَكْثَرِ الحَمْلِ، وَأَنَّهُ يَمْتَدُّ لأَرْبَعِ سَنَوَاتٍ.
ـ مَسْأَلَةُ الحَيْضِ، وَأَنَّهُ يَطْرَأُ عَلَى الحَامِلِ فِي أَثْنَاءِ حَمْلِهَا.
* اسْتَفَدتُ مِنْ خِبْرَةِ جَمْعٍ مِنْ خِيـرَةِ الأَطِبَّاءِ المُخْتَصِّينَ بأَمْرَاضِ النِّسَاءِ وَالتَّوْلِيدِ بُغْيةَ الوُصُولِ إِلَى رُؤْيَةٍ عِلْمِيَّةٍ فِي المَسَائِلِ الاجْتِهَادِيَّةِ الَّتِي تَخُصُّ النِّسَاءَ؛ كَمَسْأَلَةِ خِتَانِ النِّسَاءِ، وَأَكْثَـرِ مُدَّةِ الحَيْضِ وَأَقَلِّهِ، وَأَكْثَرِ مُدَّةِ النِّفَاسِ وَأَقَلِّهِ...
* حَذَفْتُ مِن المَتْنِ المَسَائِلَ الَّتِي لَمْ تَعُـدْ تُعْرَفُ فِي المُجْتَمَعَاتِ الإِسْلامِيَّةِ اليَوْمَ، وَمِنْهَا المُخْتَصَّةُ بِأَحْكَامِ الرَّقِيقِ وَالإِمَاءِ طَلَبًا لِلاخْتِصَارِ وَتَخْفِيفًا عَلَى العَامَّةِ.
* حَذَفْتُ مِن المَتْنِ بَعْضَ المَسَائِلِ الَّتِي اعْتَمَـدَ فِيهَا صَاحِبُ المَتْنِ عَلَى أَحَادِيثَ اشْتَدَّ ضَعْفُهَا، وَخَالَفَهُ فِيهَا مُحَرِّرُو المَذْهَبِ الجَامِعُونَ بَيْنَ الفِقْهِ وَالحَدِيثِ، مِنْهَا:
ـ الحُكْمُ بِتَحْرِيمِ اسْتِقْبَالِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ فِي أَثْنَاءِ قَضَاءِ الحَاجَةِ.
ـ كَرَاهَةُ اسْتِعْمَالِ المَاءِ المُشَمَّسِ.
ـ الغُسْلُ مِن الوِلادَةِ الَّتِي تَحْدُثُ مِنْ غَيْرِ خُرُوجِ دَمِ النِّفَاسِ.
ـ حُرْمَةُ نَظَرِ الزَّوْجِ إِلَى عَوْرَةِ امْرَأَتِهِ المُغَلَّظَةِ.
* لَمْ أَذْكُرْ أَيَّ اخْتِلافٍ فِي المَذْهَبِ كَتَعَدُّدِ الأَقْوَالِ، وَالأَوْجُهِ فِي المَسْأَلَةِ الوَاحِدَةِ، وَاكْتَفَيْتُ بِذِكْرِ الرَّاجِحِ المُعْتَمَدِ فَقَطْ، طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ عَلَى القَارِئ وَمَخَافَةَ أَنْ يَخْتَلِطَ عَلَيْهِ الرَّاجِحُ بِغَيْرِهِ.
* أَفْرَدْتُ كُلَّ حُكْمٍ فِقْهِيٍّ، وَجَعَلْتُهُ مُنْفَصِلاً عَمَّا قَبْلَهُ مِن المَسَائِلِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ سُهُولَةِ عَرْضِ الحُكْمِ، وَأَمْنِ الإشْكَالِ إِنْ رُبـِطَت المَسْأَلَةُ بِغَيْرِهَا.
* قَرَنْـتُ كُلَّ حُكْمٍ فِقْهِيٍّ بِدَلِيلِهِ مِن القُرْآنِ وَالسُّـنَّةِ الثَّابـِتَةِ، وَهَذَا مِمَّا يُفِيدُ القَارِئَ ثِـقَـةً بِعِلْمِ الفِقْـهِ وَبـِالحُكْمِ المُتَوَصَّلِ إِلَيْـهِ.
* أَشَرْتُ إِلَى مَوْضـِعِ الاسْتِدْلالِ مِن القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَجَعَلْتُهُ بِلَوْنٍ مُخْتَلِفٍ زِيَادَةً فِي البَيَانِ وَالتَّوْضـِيحِ، وَاخْتِصَارًا لِلْعِبَارَةِ وَالشَّرْحِ.
* أَضَفْتُ إِلَى الكِتَابِ فُصُولاً وَمَسَائِلَ يُحْتَاجُ إِلَيْهَا لَمْ تَرِدْ فِي المَتْنِ.
* أَضَفْتُ أَقْوَالاً فِقْهِيَّةً لِغَيْرِ الشَّافِعِيَّةِ فِي بَعْضِ المَسَائِلِ، لِرُجْحَانِ دَلِيلِهَا، أَوْ تَيْسِيرًا لِمَا قَـدْ يَعْسُرُ عَلَى النَّاسِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ، وَفَصَلْتُهَا عَنْ أَصْلِ الكِتَـابِ وَجَعَلْتُهَا فِي الحَاشِيَةِ لِكَي يَبْقَى أَصْلُ الكِتَابِ ضـِمْنَ المَذْهَبِ.
* تَوَخَّيْتُ أَنْ يَخْلُوَ الكِتَابُ مِنْ أَيِّ حَدِيـثٍ ضَعِيفٍ، وَأَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا فِيهِ إمَّا حَدِيثًا صَحِيحًا وَإِمَّا حَسَنًا، وَفْقَ القَوَاعِدِ المُعْتَمَدَةِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الحَدِيثِ.
* اعْتَمَدْتُ أَسَاسًا عَلَى أَحَادِيثِ الصَّحِيحَيْنِ الَّتِي أَجْمَعَت الأُمَّةُ عَلَى صِحَّةِ مَا فِيهِمَا وَتَلَقَّتْهُمَا بِالقَبُـولِ، وَانْتَقَيْتُ الرِّوَايَاتِ المُعْتَمَدَةَ عِنْدَهُمَا لِلأَحَادِيثِ، وَاسْتَثْنَيتُ الأَحَادِيـثَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي قَدْ يُشْكِلُ عَلَى العَامَّةِ بَعْضُ أَلْفَاظِهَـا.
* خَرَّجْتُ الأَحَادِيـثَ، وَعَزَوْتُهَا إِلَى مَصَادِرِهَـا، فَإِنْ كَـانَ أَصْلُ الحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَـا اكْتَفَيْـتُ بِالعَـزْوِ إِلَيْهِمَا لِمَكَانَتِهِمَا وَتَقْدِيمِهمَا عَلَى بَاقِي كُتُبِ السُّـنَّةِ، وَإِنْ كَانَ الحَدِيثُ فِي السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ أَوْ بَعْضـِهَا اكْتَفَيْتُ بِهَا عَنْ غَيْرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ السِّـتَّةِ ذَكَرْتُ أَشْهَرَ مَرْجِعٍ وُجِدَ فِيهِ.
* لَمْ أَتَقَيَّدْ فِي التَّخْرِيجِ بِأَنْ يَكُونَ لَفْظُ الحَدِيثِ وَاحِدًا عِنْـدَ الجَمِيعِ؛ بَل اكْتَفَيْتُ بِأَنْ يَكُونَ الحَدِيـثُ وَاحِـدًا مِنْ حَيْثُ المَضْمُونُ، وَمَخْرَجُـهُ وَاحِدًا مِنْ حَيْثُ رَاوِيهِ، فَرُبَّمَا عَزَوتُ الحَدِيثَ لأَصْحَابِ السُّنَنِ وَهُوَ عِنْدَ بَعْضـِهِم مُغَايـِرٌ بِاللَّفْظِ، أَوْ مُخْتَصَرٌ.
* وَأَخِيرًا:
فَهَذَا العَمَلُ هُوَ ثَمَرَةُ طَلَبٍ وَتَحْصِيلٍ، وَبَحْثٍ وَدِرَايَةٍ، فَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَليَّ أَنْ قَرَأْتُ أَبْوَابَ العِبَادَاتِ مِنْ شَرْحِ هَذَا المَتْنِ لِلشَّيْخِ الحِصْنِيِّ ’كِفَايَةُ الأَخْيَارِ‘ مُنْذُ الصِّغَرِ عَلَى وَالِدي ـ حَفِظَهُ اللَّهُ ـ ثُمَّ تَقَرَّرَ عَلَيَّ شَرْحُ الشَّيْخِ الشِّرْبـِينِيِّ ’الإِقْنَاعُ‘ فِي المَرْحَلَةِ الثَّانَوِيَّةِ، وَبَعْدَ أَنْ أَتْمَمْتُ المَرْحَلَةَ الجَامِعِيَّةَ دَرَّسْتُ الكِتَابَ غَيْـرَ مَرَّةٍ، فَخَبـِرْتُ مَوَاضـِعَهُ وَمَسَائِلَهُ، وَمَازِلْتُ أَرْجِعُ إِلَيْهِ، وَأُعَلِّقُ عَلَيْهِ المَسَائِلَ المُهِمَّةَ، وَالتَّخْرِيجَاتِ وَالفَوَائِدَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.
وَهَذَا الكِتَابُ وَإِنْ تَمَيَّزَ بِكَثْرَةِ أَحَادِيثِـهِ، إلاَّ أَنَّ مَزِيَّتَـهُ الكُبْرَى هِيَ تَحَاشِيهِ مِئَاتِ الأَحَادِيثِ الوَارِدَةِ فِي كُتُبِ أَحَادِيثِ الأَحْكَامِ وَالَّتِي لا تَصْلُحُ لِلاحْتِجَاجِ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ، حَتَّى تَحَصَّلَ بَيْنَ أَيْدِينَا كِتَـابٌ ـ فِيمَا أَظُنُّ وَاللَّهُ المُوَفِّقُ ـ لَيْـسَ فِيـهِ حَدِيـثٌ وَاحِـدٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غَيْرُ صَالِحٍ لِلاعْتِبَارِ.
فَأَرْجُو مِن اللَّهِ تَعَالَى أَنْ أَكُونَ قَدْ وُفِّقْتُ فِي هَذَا العَمَلِ لِلصَّوَابِ، وَأَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنِّي بِعَفْـوِهِ وَكَرَمِـهِ، وَيَرْضَى بِـهِ عَنِّي، وَيَتَجَـاوَزَ عَنْ زَلَّتِي، إِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ مَسْؤُولٍ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَلَّمَ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين.
الناشر | دار النوادر |
عنوان الناشر | دمشق |
سنة النشر (هجري) | 1433 |
سنة النشر (ميلادي) | 2012 |
رقم الطبعة | 1 |
نوع الورق | كريم شاموا |
غراماج الورق | 70 |
مصدر الورق | ياباني |
قياس الورق | 17 × 24 |
عدد المجلدات | 1 |
عدد الصفحات | 698 |
الغلاف | فني |
ردمك | 9789933497491 |
تأليف/تحقيق | تأليف |
تصنيف ديوي |
تحميل
كلمات مفتاحية
روابط مفيدة
Ra